رواية و بها انا متيم بقلم أمل نصر

موقع أيام نيوز

 

 


ولا تصلح لعدد كبير من الأفراد الأثاث القليل بألوانه الباهتة لقدمه منزل محكم ومحدد حتى أن المطبخ كان يظهر أمامها بوضوح من خلف الستارة القماشية الصغيرة المعلقة لتغطي الطرقة المؤدية إليه مع الحمام الذي انفتح بابه الخشبي لتخرج منه المرأة العجوز جدتها وقعت أنظارها على صبا لتخطو بتمايل في سيرها وهي ترتدي جلباب مهترئ كالعادة وتقترب منها مضيقة عينيها ذات الزوايا المجعدة حتى دنت برأسها نحو صبا لتثير بقلبها الړعب قائلة

انتي مين يا حلوة
ابتعلت صبا ريقها لتردف بنفس الإجابة على نفس السؤال المكرر في كل مرة تلج بها في هذا المنزل
أنا صبا بنت الحج ابو ليلة ساكنة في الشارع اللي وراكم يا حجة.
أممم.
زامت بها وهي تومئ بهز رأسها وكأنها فهمت لتعيد بسؤالها الاخر
وجاية هنا لمين بقى
جايالي أنا يا ستي.
هتفت بها مودة وهي تصفق باب غرفتها وقد بدلت ملابسها لتقترب سريعا وتتناول كف صبا التي حمدت ربها برؤيتها كي تهرب من أمام هذه المرأة المريبة فسحبتها الأخرى للذهاب مرددة
الأكل عندك في التلاجة يا ستي لو اتأخرت سخني لنفسك أو كلي حتة جبنة واستنيني على ما ارجع من شغلي.
ظلت المرأة على حالها دون صوت وخرجت صبا مع مودة المعتادة على هذا الفعل من المرأة لتخاطبها قاطبة
هي ستك دي مفيش مرة ترحمني من سؤالها
بابتسامة جافة ردت الأخرى
مش لما ترحمني انا الأول دي طول الوقت بتعمل نفسها مش فاكراني مع انها تعرف ميعاد القبض كويس قوي وعمرها ما تنسى هي حاطة فلوسها فين 
سمعت منها صبا لتتمتم بأسى
معلش يا مودة هي الستات الكبيرة كدة ربنا يرزقك بابن الحلال اللي يعوضك. 
بابتسامة ساخرة قالت مودة
وابن الحلال ده هيجوزني وياخدني كدة بطولي من غير جهاز اقولك عشان مبقاش متشائمة ربنا كريم .
ربنا كريم فعلا يا مودة.
تمتمت بها صبا بصدق رغم علمها ان مودة تردف بها بيأس لا تلومها عليه.
وقفت أمام الشقة المقصودة لتعود بسؤاله
إنت متأكد إن هي دي شقتهم يا حسن
سمع منها ليرد وهو يتابع بخطواته حتى توقف ليضغط بإبهامه على الجرس
على حسب ما قالي البواب يبقى هو دا البيت وع العموم ادينا بنسأل.
انتظرت مجيدة قليلا مع ضغط ابنها على الجرس حتى فتحت لها امرأة شقراء محجبة تستقبلهم بنظرة متسائلة
على الفور خاطبتها مجيدة وقد حدثها قلبها بهوية المرأة مع هذا الشبه الواضح 
حضرتك والدة لينا
قطبت أنيسة تقول بترحاب رغم استغرابها
اه صحيح أنا والدة لينا اتفضلوا حضراتكم الأول. 
تزحزت أنيسة عن مدخل الباب لتدلف مجيدة وخلفها كان حسن الذي قال للمرأة باعتذار
احنا أسفين لو اقتحمنا عليكي يا مدام من غير استئذان بس احنا بصراحة كنا عايزين نطمن على شهد بعد اللي سمعناه من لينا .
اومأت لهما المرأة بتفهم تقول وهو تدعوهم
اتفضلوا حضراتكم الأول بس واستريحوا وانا هندها حالا تقابلكم وتطمنكم ان شاءالله. 
هيئة المرأة السمحة وكلماتها الرقيقة وضعت في قلب مجيدة بعض الراحة لتجلس وتنتظر مع ابنها بعد ذهاب انيسة لتخرج إليهما بعد ذلك بصحبة لينا التي تقدمت تستقبلهم بمودة
اهلا يا طنت مجيدة اهلا يا استاذ حسن.
الټفت موجهة الكلام لوالدتها
دا البشمهندس حسن اللي بيشتغل مع شهد يا ماما ودي الست مجيدة والدته يعني مش اغراب.
اومأت المرأة بابتسامة ترحب
يا أهلا بيكم تشرفنا يا بشمهندس شرفتي يا مدام .
اومأ لها الاثنان فتابعت لينا
أنا اسفة ان كنت خضيتكم بكلامي وخليتكم تيجوا على ملا وشكم.
يا بنتي ولزوموا ايه الاعتذار بس دا احنا اللي كنا متصلين اساسا اصلها كمان مبترودش من امبارح .
قالتها مجيدة بقلق وردت لينا
ما هو التليفون كان معايا وانا بصراحة عملاه صامت ومبرودش على حد غير بس نمرتك هي اللي رديت عليها ونمرة عبد الرحيم المساعد بتاعها كمان
ليه دا كله ايه اللي حصل لشهد طمنينا الله يخليكي. 
هتف بها حسن يقاطعهن بقلق يعصف به فجاء الرد من أنيسة
اطمن يا بني خير ان شاء الله هي بس مقدرتش تتحمل بعد خروجها من المستشفى راسها الناشفة مع انفعالها الشديد وعدم الراحة كلها حاجات اتفقوا عليها. 
قال حسن بتوجس
مقدرتش تتحمل ايه هي حصل معاها مشكلة ولا اتخانقنت هي أكيد اتخانقنت صح
ردت لينا تجيبه بملامح اعتلاها الحزن والقلق
هي فعلا اتخانقت بس المرة دي الخناقة كانت شديدة شوية ف..... تعبت.... تعبت اوي.
كلماتها المتقطعة المبهمة في معناها زادت من توجسه زادت من خوف عليها ينهش به وخرج سؤاله بريبة
يعني إيه تعبت أوي وهي ليه قاعدة عندك مش في بيتها.
تدخلت أنيسة تجيبه
هي هنا بناءا على رغبتها يا بني شهد هي اللي اتصلت بلينا عشان تجيبها ما هو بيتها برضوا دي متربية مع بنتي أينعم ميجمعش ما بينهم غير الصداقة بس والله في نفس غلاوتها تحبوا تشربوا ايه بقى
قالت الأخيرة وهي تنهض عن مقعدها فرد حسن بعصبية غلبت حكمته
مش عايزين نشرب حاجة خلونا نطمن عليها بس الله يخليكم.
أجفلت أنيسة تناظره باستغراب جعل مجيدة تصلح
دا لو مايضايكمش يعني أكيد انتوا متفهمين رغبتنا.
ردت لينا بلطف وهي تتناول هاتفها من فوق الطاولة المجاورة لها. 
أكيد يا طنت طبعا انا هكلم رؤى تشوفها صاحية ولا نايمة اصلها كانت واخدة مهدئ شديد.
هي رؤى كمان معاها
غمغمت بها مجيدة كسؤال وردت لينا على عجالة وهي تتصل بالأخرى
أيوة يا طنت ما هي ملازماها من إمبارح ما سابتهاش ولا لحظة.
عاجبك كدة يا محروس عاجبك كدة يا ام المحروس سيرتنا بقت على كل لسان يا ولاد الكلب.
هتف بها عابد الورداني غاضبا نحو زوجته سميرة الملتصقة في مقعدها پخوف من هيئته وابنه ابراهيم الذي قلب عينيه يقول بسأم
وانا عملت ايه يعني لدا كله هي بلاوي بتتحدف عليا وخلاص.
هي إيه اللي بلاوي ياد.
صاح بها عابد بانفعال حتى
بقى تتهجم على البت في بيتها وتخلي الحارة كلها تشوف خيبتك وانت بتجري زي الفار ولسة كمان عندك عين تنكر
دافع ابراهيم ينكر بالكذب
بقولك معملتش حاجة كل اللي حصل هو اني اتعصبت على البت شهد عشان مدخلة راجل غريب البيت عندهم وانا اللي اسمي خطيب اختها وابن خالتها قاطعة رجلي من البيت يرضي مين الكلام ده يعني انا راجل دمي حر.
ضحكة ساخرة اطلقها عابد ليزيد من استفزاز الاخر بقوله
وانت اسم النبي حارسك وصاينك دمك حر اوي روحت بعبطك عملت الشويتين بتوعك عشان تفرد عضلاتك على شهد قامت العيلة الصغيرة مصرخة ولامة عليك أمة لا اله الله وبقت ڤضيحة وجرسة في الحارة كلها على شرفك.
عشان بت قليلة أدب.
هي برضوا اللي قليلة أدب ولا انت اللي خرونج ومهزق
سبابه المستمر ونعته بهذه الأوصاف القوية زاد من حريق نفسه الهائج من الأساس لكل ما يخص شهد عقدته الأساسية بها هي وحدها ولا يوجد من النساء غيرها.
تدخلت سميرة تقول بتردد
ما تسمع لابنك يا عابد من غير شتيمة أنا اتصلت بنرجس وهي قالتلي ان ابراهيم حضر القعدة مع الضيوف بكل أدب الخناقة دبت ما بينهم بس لما نصحها عشان سمعة البيت وبنات خالته رؤى المچنونة بقى هي اللي كبرت الموضوع بصريخها وهي يدوب مشادة كلامية زي ما بيقولوا في التليفزيون. 
ردد خلفها باستنكار
بيقولوا في التليفزيون! عشان بس لما اقولك ان مفيش حد. بوظ الواد ده غير دلعك متبقيش تراجعيني ابنك الغلط راكبه من ساسه لراسه الحارة كلها بتدعي عليه بعد ما شافوا شهد وصاحبتها واختها بيسندوها بعد ما وقعت من طولها ساعة الخناقة انا وشي بقى في الأرض كل اما حد يكلمني ببقى مش عارف ابرر بإيه طول عمره مسود وشي قدام القريب والغريب لكن انه يجي ع الحريم وفي بيتهم كمان دي اللي فرطت وعدت وتنقص من قيمتي انا قدام الرجالة الكبارات اللي زيي.
سأله ابراهيم بحدة وتهكم
يعني إيه وضح يا كببر. 
يعني الوضع لازم يتصلح وابيض وشي قدام الناس.
هذه المرة خرج السؤال من سميرة التي ذهب ظنها لفسخ الخطبة
قصدك يسيب البت يا حج
لا يا ختي مش يسيب البت ابنك لازم يعتذر لشهد .
ننننتعم.
صړخ بها هائجا كالثور يدفع مقعده الذي نهض عنه بقوة اوقعته أرضا ليتابع مرددا بغل
دا على چثتي على چثتي ان اعتذر للمحروسة فاهم يابا على چثتي.
أنهى وخرج بغضبه من المنزل تتبعه شياطينه ليردد عابد في اثره طب لما اشوف كلمة مين اللي هتمشي فينا يا حيلتها!
هي عاملة ايه دلوقتي
قالتها مجيدة وهي تدلف لداخل الغرفة ورؤى تستقبلها لتجلسها على المقعد القريب من تخت شهد المستلقية عليه بتعب لا يمكنها حتى من رفع رأسها لتتابع مجيدة
يا شهد عاملة ايه شهد يا شهد انتي سمعاني يا حبيبتي
وجهت الأخيرة نحو رؤى والتي تمتمت هامسة
معلش يا طنت بس هي كدة من ساعة ما خدت العلاج وشافها الدكتور امبارح باين العلاج تقيل عليها ولا إيه
لا مش تقيل يا رؤى.
تمتمت بها لينا والتي دلفت هي الأخرى بخطوات خفيفة لتردف بثقة
شهد مش هتصحى دلوقت انا عارفة مش هتصحى ولا تفوق غير باختيارها!
يعني إيه هي صاحية ومش عايزانا نقلقها خلاص نيجي وقت تاني .
قالتها مجيدة وهي تنهض منتفضة عن مقعدها ف اقتربت منها لينا تجيبها بصوت خفيض
لا والله ما صاحية يا طنت مجيدة اقولك تعالي اشرحلك برا أحسن. 
تحركت بها مغادرة الغرفة ساحبة بيدها رؤى هي الأخرى. 
قالت مجيدة فور ابتعادهن عن الغرفة
ما تفهميني يا بنتي هي ازاي نايمة ومش راضية تصحى
قبل ان تجيبها لينا سبقها حسن والذي ظل محله جالسا على صفيح يكويه بڼار القلق والعجز لعدم تمكنه من اقټحام الغرفة والاطمئنان عليها بأم عينيه مراعاة للأصول في منزل غريب لا يقطنه سوى النساء فخرج صوته بلوعة
مالها يا شهد يا جماعة ما تفهموني
تنهيدة مثقلة پعنف خرجت من لينا قبل أن تجيب على ألأم وابنها
يا جماعة كدة ومن الاخر شهد كل ما يزيد عليها الضغط ويفيض بيها بتهرب من واقعها بالنوم لفترات طويلة... دا كان في العادي بس هي دلوقتي تعبانة وخارجة من المستشفى ف انا دلوقتي بصراحة مش عارفة هي هتستلم لحالتها ولا هيحصل تطور معاها. 
تطور في حالتها!
غمغم بها ليهدر مستهجنا
طيب واحنا نستنى ليه التطور في حالتها ما تصحيها يا لينا.
يا بني دي أوامر الدكتور هو اللي قايل لنا اصبروا ولو حصل لا قدر الله وطالت المدة هو أكيد له صرفة اصبر يا بشمهندس وان شاء الله ربنا يطمنك عليها ويطمنا معاك.
قالتها أنيسة بهدوء شديد لتمتص انفعال الاخر والذي لم ينتبه لعدم تركيزه على ما انتبهت إليه مجيدة وهو انكشافه التام أمام المرأة الطيبة والذكية خصوصا مع هذه النظرة التي ترمقه بها لترد إليها بلغة مفهمومة لكليهما
قلبي حاسس يا ست أنيسة
 

 

 

تم نسخ الرابط